أوراق من التاريخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ .د / مـــصـــطــفـــى بن خالد
قبيلة بليّ:
صهيل الجنوب اليعربي وعبق التاريخ الموغل في القِدم
في أقصى الشمال الغربي من جزيرة العرب، حيث يلتقي الرمل بسحر البحر، وتتمدد الجبال كأجنحة نسرٍ يحرس أسرار الأزمنة، تنبثق قبيلة بليّ كرمز خالد للأصالة والفخر.
هنا لا يُقاس المجد بالأيام، بل بالروح التي تنبض في العروق، وبالحكمة التي تتوارثها الأجيال، وبالقدرة على صنع التاريخ بينما يشهد العالم على صمت الصحراء وجلالها.
قبيلة بليّ ليست مجرد امتداد لعشيرة أو جذور عابرة؛ إنها صرح للهوية، وحصن للكرامة، ومنارة للشجاعة. صهيل خيولها يروي قصص الجنوب اليعربي، وعبق ماضيها يعانق روح الأجداد، مُلهمًا كل من يسعى للحقيقة، وكل من يبحث عن أصالةٍ لم يطوِها الزمن.
بين كثبان الرمل وصمت الجبال، تتجسد حضارة تمتد في عمق التاريخ، تعانق المستقبل، وتعلن بصوت هادئ وعميق:
هنا تسكن الأصالة، وهنا ينبض الفخر الذي لا يزول.
في كل خطوة على أرض بليّ، وفي كل أثرٍ تركته أقدام أجدادها، يلتقي الماضي بالحاضر، ليبني مستقبلاً يتخطى حدود المكان والزمان.
إنها قبيلة ليست فقط من تتحدث عنها الروايات، بل قبيلة تُصنع لها الأساطير، وتُحفظ لها النفوس، وتُقدس لها الأرض.
النَّسَب والأصل
تنتسب قبيلة بليّ إلى قبائل قضاعة العريقة التي سكنت مكة، من سلالة العرب القحطانيين، أبناء الجنوب الذين توسعوا في أرضهم المفتوحة شمالًا حاملين معهم لغة الجبال الشاهقة والصحراء الذهبية، وعنفوان الأرض، ونقاء العادات.
فهي قبيلة تجمع بين حِكمة اليمن وفروسية القُضاعيين، بين جذور الأصالة وروح المغامرة التي سطّرت أسماءها في صفحات التاريخ.
ويُروى نسبها كما يلي:
بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير.
إنها قبيلة تصل ماضي اليمن بعنفوان الطود (الحجاز)، فكلُ فردٍ من أبنائها يحمل بين عروقه شجاعة الأجداد وكرامة الجبل المنيف والصحراء النقية.
وقد خلدها المؤرخ ابن خلدون قائلاً:
“بليّ من بطون قضاعة، منازلهم بين الشام والحجاز، وهم من أشرف بطونها وأعزّها .”
هكذا، يبقى اسم بليّ مرادفًا للشرف، وللرجولة، وللأصالة التي تتحدى الزمن، ومرجعًا لكل من يبحث عن جذور الهوية اليعربية الصافية.
المجد … والفروسية
قبيلة بليّ ليست مجرد اسم في سجلات التاريخ، بل هي رمز للشجاعة التي لا تُقهر، والفروسية التي تشرق من قلب الصحراء. منذ عهد أجدادها في اليمن مرورًا بانتقالها شمالًا، حملت بليّ معها روح المعركة، وهيبة الساحة، وصدق العهد، فكانت خيولها تعانق الريح، وسيوفها تكتب على الرمال أساطير البطولة.
لقد جمعت بليّ بين شجاعة العرب الجنوبيين وفروسية القضاعية، فكل معركة خاضتها، وكل تحدٍّ واجهته، كانت شهادة على صلابة العرق ووفاء النسب.
لم تكن مجرد انتصارات على الأرض، بل كانت ملحمة تُروى للأجيال، وحكاية تُنسج في كل مجلس، ودرس في الشرف والكرامة لكل من يحمل اسم العرب في قلبه.
ابن خلدون وصفها بأنها أشرف بطون قضاعة وأعزّها، وكأن التاريخ نفسه يصوغ بهذه الكلمات تاجًا على رأس كل فرد من أفرادها، ليظل اسم بليّ منارةً للفخر، وشعلةً لا تنطفئ في ذاكرة العرب.
في كل خطوةٍ على رمال الحجاز، وفي كل صهيل خيلٍ يعلو فوق الكثبان، يتردد صدى المجد القديم، ويُعلن عن قبيلةٍ صاغت أصالة العرب بفخرٍ لا يزول وفروسية لا تعرف النهاية.
الأرض …. والموطن والبيئة
تمتد جذور قبيلة بليّ في قلب الحجاز، حيث يلمس الرمل زرقة البحر، وتحتضن الجبال الأفق كحارسٍ أمين للتاريخ.
هنا، بين كثبان الصحراء وسراب الرياح، يتجسد الانسجام بين الإنسان والطبيعة، فكل وادٍ وكل جبل وكل شجرة تحمل قصة، وكل نسيم يحمل عبق الماضي وفخر الأجداد.
أرض بليّ ليست مجرد موطن، بل مسرحًا للفروسية، ومختبرًا للشجاعة، ومخزونًا للحكمة التي تُحفظ عبر الأجيال.
الرياح القاسية هنا، والأمطار المتفرقة، علمت أبناء القبيلة الصبر، والجبال شاهدة على عزيمتهم التي لا تلين، والرمال رسمت لهم مسارًا لا يضيع بين الأمس واليوم.
في هذا المكان، تلتقي الأصالة بالنضج، والقوة بالحكمة، والفخر بالاستمرارية. كل قرية، وكل وادي، وكل معسكر يروي حكاية أرض صنعت رجالا لا يهابون التحديات، وأجيالًا تعرف معنى الولاء والنسب والكرامة. فقبيلة بليّ لم تكن مجرد سكان، بل أوصياء على الأرض، وحرّاس على تاريخها، وسفراء لأصالتها في كل زمان ومكان.
هكذا، تظل الأرض والموطن جزءًا لا يتجزأ من هوية بليّ، حيث يمتزج عبق الماضي بعنفوان الحاضر، ويُصاغ المستقبل على إيقاع صهيل الخيول وصوت الصحراء الخالد.
انتشار بليّ … ودورها التاريخي
من العُلا إلى تبوك، ومن الوجه إلى ضباء على ضفاف البحر الأحمر، تمتدُّ ديار قبيلة بليّ كوشاحٍ من نور يضفي على شمال الحجاز سحرًا وعظمة. هناك، حيث يلتقي السراب بالبحر، سكنت بليّ منذ فجر التاريخ، وشهدت وديانها على أجيالٍ من الفرسان والرُّحّل والرُّواة، الذين حملوا أصالة الأرض في قلوبهم وشجاعة الأجداد في أيديهم.
ومع فتح رايات الإسلام، كانت قبيلة بليّ من بين الذين حملوا رسالة الدين وقيم الشجاعة والكرامة والوفاء إلى الشام ومصر.
امتدت فروعها مع الفاتحين إلى الأردن وفلسطين وسيناء، ثم صعيد مصر والسودان، ناشرةً معها قيم الصحراء، وشهامة البادية، وروح العرب الأصيلة حيثما حلّت.
هكذا لم تكن بليّ مجرد قبيلة في مكانٍ محدد، بل رمز متجول للأصالة، وجسر بين الماضي والحاضر، وأيقونة للتاريخ العربي والإسلامي. كل فرعٍ منها يحمل رسالة، وكل اسمٍ يُذكر منها يروي حكاية عزّ، وإرثٍ خالد لا يزول.
القبيلة … وفروعها
قبيلة بليّ اليوم تتفرع إلى جذمين عظيمين، هما:
1. مُخلد
2. خزام
ومن هذين الجذمين، تنبثق بطون عديدة، كالأغصان في شجرة مباركة، تحمل كل واحدةٍ منها اسمًا وذكريات وعراقة:
البركات - الاحامدة - العرادات - المواهيب - الهروف - الفواضلة - زبالة - القواعين - المطارفة - الحمر
- المعاقلة - السحمة - وابصة - المقابلة
هذه الفروع، اليوم، موزعة بين الجزيرة العربية والأردن ومصر العروبة والسودان، لكنها تظل مرتبطة ببعضها بوشائج النسب، وبالعز، وبمآثر السلف التي لا تزال تُروى في المجالس.
كل فرعٍ منها يحمل إرثًا من الشجاعة، والكرم، والوفاء، والفروسية، ويُجسّد روح قبيلة بليّ الأصيلة في كل مكان حلّ فيه أبناؤها.
فكما تتشابك الأغصان لتكون شجرةً واحدةً ممتدة، هكذا تبقى بليّ متماسكة، رغم اتساع رقعتها، محافظة على شرفها وتاريخها، ومُلهِمة لكل من يبحث عن جذور اليعربيين وعراقتهم .
القيم … والعادات … والتقاليد
قبيلة بليّ ليست مجرد جذور ونسب، بل حضارة قائمة على الشرف والوفاء والعزة. في كل مجلسٍ من مجالسها، وفي كل خيمةٍ على رمال الحجاز، تتجلى قيم الكرم، ونبل العهد، وصمود الفارس أمام التحديات. فالأبناء يترعرعون على مواعظ الأجداد، ويتعلمون منذ نعومة أظفارهم أن الكرامة لا تُشترى، والشجاعة لا تُقاس إلا بالأفعال، والوفاء يكون دائمًا قبل كل شيء.
العادات والتقاليد في بليّ تجمع بين الصرامة والرحمة، بين أصالة البادية وحكمة التعامل مع الزمن.
فالاحتفاء بالضيوف وتكريمهم، وحماية الضعفاء، والحفاظ على شرف العائلة والقبيلة، هي مبادئ لا تُساوم عليها الأجيال.
حتى القصص والحكايات التي تُروى حول النار في ليالي الصحراء، لا تحمل فقط مسليةً للسامعين، بل تنقل دروسًا في الحكمة، والشجاعة، والانتماء للأرض والهوية.
وفي كل موسم، وكل مناسبة، تبرز تقاليد الفروسية، وسباقات الخيل، والصيد، والأهازيج التي تصدح بالبطولة والأصالة.
إنها لغة القبيلة التي تعكس تاريخها، وشرفها، وروحها التي تربط بين الأجيال. فقبيلة بليّ، أكثر من مجرد نسبٍ وأرضٍ، هي إطار حياة، ومصدر فخر، ومرآة لقيم العرب الأصيلة التي لا يطمسها الزمن.
الصفات … والمكانة
عرفت قبيلة بليّ منذ القدم بالشهامة والوفاء والكرم؛ فلا يُستغاث بأحدٍ من رجالها إلا أجاره، ولا يُذكر فيهم بخيلٌ أو غادر.
رجالها رعاة للعهد، سادة في المروءة، حاملين راية الفروسية والكرامة، وسيداتها ذوات وقار ونبل، يشهد لهن التاريخ والأجيال.
في بليّ، تتجلى جذوة الصحراء التي لا تخبو مهما تعاقب الزمن، حيث الفرسان والرواة والعلماء والقادة يشكلون شبكة متكاملة من القوة والمعرفة والشرف.
فكل فردٍ منهم يحمل إرثًا يمتد من جذور اليمن إلى شمال الحجاز، ويعكس أصالة القبيلة في كل مجال من مجالات الحياة.
ولقبيلة بليّ مكانةٌ رفيعة في الحجاز، وحضورٌ مهيب، وأثرٌ مشهود في الإدارات والهيئات والميادين العامة. إنها قبيلة تعرف كيف تترك بصمةً واضحة في كل زمان ومكان، محافظةً على إرثها، وراعيةً لهويتهم العربية الأصيلة.
الخلاصة :
أسطورة بليّ المتجددة
قبيلة بليّ، من صهيل الجنوب اليعربي إلى عبق الحجاز، هي رمز للأصالة والشرف والكرامة.
من جذورها في اليمن وشمال الحجاز، ومن جذميها العظيمين مُسْلِم وحُسَيْن، ومن بطونها الممتدة كأغصان شجرة مباركة، حملت بليّ على عاتقها تاريخ العرب، ومجد الأجداد، وفروسية الفرسان، وكرم السلفاء.
لقد امتدت بليّ عبر الزمن والمكان؛ من العُلا وتبوك وضباء إلى الأردن وفلسطين وسيناء وصعيد مصر والسودان، ناشرةً مع كل خطوة قيم الصحراء وشهامة البادية وروح العرب الأصيلة. وكل فرعٍ منها، وكل فردٍ من أبنائها، يحمل جذوة لا تنطفئ، وقيمًا لا تتغير، وشرفًا لا يزول.
في مجالات الحياة، ظهرت بليّ سيدة في الوفاء، رائدة في المروءة، عريقة في العلم، مهيبة في القيادة، محافظين على إرثهم في الوفاء، والإرادات، والمجالس العامة، شاهدةً على أن القبيلة ليست مجرد نسب وأرض، بل قوة حياة وهويّة وملحمة متجددة.
هكذا، تبقى قبيلة بليّ منارةً لكل من يبحث عن الأصالة التي لا تذبل، والشجاعة التي لا تنكسر، والفخر الذي يظل خالدًا في ذاكرة التاريخ. فهي ليست مجرد قبيلة، بل أسطورة متجددة، تكتب نفسها على صفحات الزمن، وتُلهم كل من يحمل اسم العرب في قلبه وعقله.
قبيلة بليّ ليست مجرّد اسمٍ في صفحات النسب، بل قصيدةٌ حيّة من تراب الحجاز إلى ضفاف النيل.
هي سلالةٌ صافية من عراقةٍ وإباءٍ، قبيلةٌ تسكن الجغرافيا كما تسكن التاريخ، وتُورّث أبناءها الكبرياء كما تورّثهم الاسم.
0 تعليق