الموسوعة التاريخية والحضارية للقبائل العربية
الحلقة الأولى
لقاء خاص مع الشيخ قاسم الكسادي
أحد مشايخ قبيلة سرو الحميرية – يافع
“ من الجذور إلى الأفق… صوت الحكمة وروح القبيلة ”
- المقدمة :
في عمق الجنوب اليمني، حيث تتعانق السهول مع الجبال وتنبض الأرض بأصوات التاريخ، تقف قبيلة سرو الحميرية كرمزٍ للكرامة والهوية، تحمل في طياتها أرثاً ضارباً في جذور العرب، وتنتمي إلى سلالة حمير العريقة .
من وسط هذه الجذور، ينبثق صوت رجل حكيم، يشكل جسراً بين الماضي المجيد والحاضر المتجدد، ويمثل وجهاً من وجوه الحكمة والقيادة .
في هذا اللقاء الحصري، نفتح نوافذ الذاكرة والوجدان مع الشيخ قاسم الكسادي، أحد أبرز مشايخ سرو يافع الحميرية، لنتحدث معه عن التراث، والعادات، والتقاليد، والشيم، والقيم، والأعراف، والبنية القبلية، ونستشرف معه آفاق المستقبل في ظل المتغيرات الجسيمة التي تعصف بالوطن اليعربي .
السؤال الأول :
شيخ قاسم، بدايةً نود أن نبدأ من الجذور .. ما هو أصل قبيلة يافع ( سرو الحمير )، وما موقعها التاريخي داخل نسيج القبائل اليمنية الكبرى ؟
الإجابة :
قبيلة قبيلة يافع ( سرو حمير ) تنتمي إلى القبائل اليعربية الكبرى، وهي إحدى القبائل الأصيلة ذات الامتداد العريق والتاريخ الضارب في عمق الحضارة اليمنية .
جذورنا تعود إلى يافع بن قاول بن زيد بن ناعِتة بن شُرَحْبيل بن الحارث بن زيد بن يَريم ذي رُعَيْن الأكبر بن سَهْل بن زيد الجمهور بن قَيْس بن مُعاوية بن جُشَم بن عبد شمس بن وائل بن الغَوْث بن حَيْدان بن قَطَن بن عُرَيب بن زُهَير بن أَيْمَن بن الهُمَيْسع بن حِمْيَر بن سَبأ، وهذا النسب الشريف يربطنا مباشرة بجذور الدولة الحميرية القديمة .
نحن جزء لا يتجزأ من هذا النسيج، نحمل القيم الأصيلة، ونُعرف تاريخياً بالكرم، والإباء، والوفاء، والشجاعة، والعقل الراجح في الملمات، ولهذا حظيت القبيلة بمكانة كبيرة بين القبائل .
- السؤال الثاني :
حدثنا عن التقسيم الداخلي للقبيلة… كيف تتوزع الأسر والعزل؟
الإجابة :
القبيلة تنقسم إلى عدة فخوذ ( بطون ) وأسر، ولكل منها شيوخها ومرجعياتها .
بطون يافع :
- قاصد
- مالك
قاصد 5 مكاتب
- اليزيدي
- الناخبي
- اليهري
- السعدي
- الكلدي
مكاتب مالك
- الضبي
- الحضرمي
- الموسطي
- البعسي
- المفلحي
من أبرز العزل :
- رصد
- سباح
- سرار
- جعار
- لبعوس
- المفلحي
- الحد
- يهر
هذا التقسيم لا يعني تفرقة، بل هو توزيع تنظيمي يكرّس التكامل والتماسك، ويضمن تمثيل الجميع داخل مجلس القبيلة واتخاذ القرارات بالتشاور والإجماع .
السؤال الثالث :
كيف تُدار شؤون القبيلة اليوم ؟ وهل لا تزال المجالس القبلية والعرف القبلي فاعلة ؟
الإجابة :
القبيلة ما زالت تُدار وفق أعرافنا القبلية القديمة، ولكن بروح العصر .
المجالس لا تزال تُعقد، والمشايخ وأهل الرأي يجتمعون عند الحاجة، سواء لحل القضايا، أو الإصلاح بين الناس، أو اتخاذ مواقف موحدة تجاه الشأن المحلي أو الوطني .
الـعرف القبلي عندنا له قوة تنفيذية وإحترام شعبي، ويُعد أحد أعمدة السلم الأهلي في ظل غياب الدولة أو ضعفها .
- السؤال الرابع :
ما أبرز العادات والتقاليد التي تميز قبيلة يافع الحميرية عن غيرها ؟
الإجابة :
من أبرز عاداتنا وتقاليدنا :
• التحاكم إلى العرف لا إلى السلاح، فنحن أمة حكمة لا فتنة .
• الضيافة العربية، فـالضيف ضيف الله ”، ولا يرد له طلب .
• النخوة والفزعة، ويكفي أن يستنجد أحدنا بقوله “ يا سرو حمير ”، فتتحرك القلوب قبل الأقدام .
• توارث الرتب والمكانات بالأداء لا باللقب، فالمقام يُثبت بالحكمة لا بالوراثة فقط .
• احترام الكبير وتقدير المرأة، وهذه من أهم القيم التي حافظنا عليها عبر القرون .
السؤال الخامس :
الشيخ قاسم، ما موقع المرأة في مجتمعكم القبلي ؟ وهل حافظتم على دورها التاريخي ؟
الإجابة :
المرأة في يافع ليست مجرد تابع، بل شريكة أصيلة في البيت والمجتمع . نحترمها ونصون كرامتها، ونُشرك رأيها في الأمور الجوهرية .
وليس من الغريب أن المرأة لدينا تحمل أسم العائلة وتُعرف بكرامتها ومواقفها، وهناك نساء كان لهن مواقف بطولية، في أزمنة السلم والحرب، منهن من ربين القادة ومنهن من سطرن المجد بصبرهن وحكمتهن .
السؤال السادس :
كيف ترون مستقبل القبيلة في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية الكبيرة في اليمن ؟
الإجابة :
نحن نؤمن أن القبيلة التي لا تتطور تموت، ولذلك نحافظ على جذورنا، لكن نُعيد قراءة الواقع بعين واعية .
نعمل على إدماج أبنائنا في الجامعات، والمؤسسات، والدولة، ونسعى أن يكون للقبيلة دور حضاري وليس فقط دفاعي .
القبيلة اليوم يجب أن تكون حاضنة للوعي، لا خندقاً للانغلاق، وأن تكون جسراً بين المواطن والدولة، لا بديلاً عنها .
السؤال السابع :
ما رسالتكم للشباب من أبناء يافع واليمن عموماً ؟
الإجابة :
رسالتي إليهم :
“ تمسكوا بجذوركم، لكن لا تزرعوا عقولكم فيها .”
أنتم أمل المستقبل، كونوا جسوراً بين الأصالة والمعرفة، وكونوا فرساناً للوعي، لا مجرد جنود للتراث .
تعلموا، تناقشوا، ابنوا، اختلفوا بكرامة، واتفقوا على ما ينفع الناس ويُبقي القبيلة شامخة بالوعي والسمعة .
في زمنٍ تكاد فيه الهويات تتلاشى في ضباب الحداثة المغشوشة، يبرُز الشيخ قاسم الكسادي كأحد الأصوات الحكيمة التي تُعيد رسم خارطة الانتماء، لا بعصبيةٍ متكلّسة، بل بوعيٍ حضاريٍ ممتد .
ومن قبيلة سرور الحميرية، يتردد صدى التاريخ، لا كحنينٍ للماضي فقط، بل كقوة دافعة نحو مستقبلٍ تتعايش فيه القبيلة مع الدولة، والأصالة مع النهضة .
أنتظرونا في الحلقة قادمة ....
0 تعليق